[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
"مسرح الشارع" وهو أن يفترش بعض الممثلين، وإن كانوا هواةً، الأرصفة ليطلقوا صرخةً ما. بدأ هذا النوع من الفن في السبعينيات مع اليسارية، ودق أبواب الناس جميعًا بلا إطار المسارح والإضاءة الباهظة، بلا غبرة الكراسي المخملية الحمراء المنجدة التي تتعب من كثرة فتحها وغلقها، حتى شكّل انطلاقًا للعمل المسرحي من ظلمة المسرح الى فضاءٍ من شمسٍ وسحابٍ وغيومٍ وظلال أبنية.
هناك، حيث الأرصفة العتيقة وصناديق الخضار ومصابيح الشارع المستريحة من عملها، وأسلاك الكهرباء الكثيفة وشجرة الحاجة كاملة سمحات ويافطات شركة وعد "عادت أجمل مما كانت"، تتبدّد الحالة الانفصامية بين مطالب المجتمع ومعاناته، وبين رخاء المقصورات والمسارح ودقة شاشات الـplasma الى ضنك الحياة، الى هموم الافراد وطموحاتهم، الى آهاتهم وتعبهم، فيكون المسرح بتعقيداته عائمًا في قطرات عرقهم، منقوشًا على لافتاتهم، أبديًا في مسار حياتهم اليومية. هنا في الشارع حيث الواقعية أكثر واقعيةً ووضوحًا...

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

المكان، في شارع الشورى أو ما يعرف بالمربع الأمني القديم، وعلى أحد الأرصفة من دون إعاقة حركة السير الطبيعية... المسرح، هيكله الشعب وصداه مجموعةٌ من الهواة تتوزع اختصاصاتهم ما بين الهندسة والمختبر والإعلام والتسويق، انتخبتهم بدايةً المخرجة سارة قصير الأولى في مباراة الماجستير في اختصاصها المسرحي لمشروعها التخرجي تحت عنوان "إعداد ممثلين وتدريبهم"، وهم ليسوا بممثلين.
بدأوا أوّل أعمالهم كفريق في "كون يا مكان" المقتبسة عن "المهرجون"، ليلتقوا ثانيةً عند المشكلة البيئية "ما غيرها"، والتي ضجت فيها نشرات الأخبار واتّضح من خلالها استياء المواطنين، أي مشكلة النفايات العائمة في البلاد.
وضعت سارة قصير، المخرجة والمهتمة في مجال البيئة منذ عشرات السنين، خطوط العمل العريضة ومن ثم قامت بكتابة المشاهد بشكلٍ جماعي خلال اجتماعين استغرقا مع التدريب حوالي 5 ساعات.
تقول المخرجة بأنها كانت مغامرة كونها أول خطوة في هذا المجال في الضاحية الجنوبية، وهو ما شكل عبئًا لعدم القدرة على تحديد ردة فعل الناس وتجاوبهم مع مثل هذه الأعمال، ولكن ما شدّ عزيمتها وفريق العمل واعتبروه حافزًا للمجازفة هو أنّه، في حال النجاح، ستشكل هذه المسرحية ولادة "مسرح الشارع" في قلب الضاحية.

بدأ العرض بالمقومات البسيطة من أجهزة الصوتيات التي قدمتها جمعية رسالات للفنون بعد تنسيقها ونيل الاذن من اتحاد البلديات، ليبدأ العرض مع حوالي 50 شخصًا على وقع إيقاع عازف الغيتار الذي ما ملّ طوال فترة العرض والذي استغرق اكثر من 15 دقيقة. توزع السيناريو بين عامل النظافة والزعيم صاحب الافكار الطائرة في الهواء كبخار الماء بعد اشتعال الشارع، لكن في هذه المعادلة الغليان دائمًا للشارع على خلاف علم الكيمياء والبخار للزعيم الذي سرعان ما ترجع وعوده ماءً مهدورًا في هذا البلد... فكانت الردات والهوارة والشعر المحكي والإيماء والارتجال والمونولوغ، لينتهي العرض بأكثر من 150 متفرجًا وبكلمةٍ وجهتها سارة قصير للمتفرجين قائلةً "اثبتولي إنكم مجتمع بقدّر الفن"...

وكانت حصيلة العمل توعوية، حيث تناول مفاهيم بيئية عدة منها ترشيد الاستهلاك والفرز وحماية البيئة والاستهلاك الذكي وفن الشراء...
و
 اعتبرت المخرجة أنّ "هذا العمل، الذي حمل عنوان "عرض زبالة" تماشيًا مع القضية التي تناولها، وعلى الرغم من بساطة كلفته حيث كانت ميزانية عملنا حوالي 150 دولار، إلّا أنّ فائدته كبيرة على سبيل نشر التوعية عند المواطنين، لأنه يصل مباشرةً الى الفئة المرسلة اليها وبسهولة وبكلفة أقل توازي في ثمارها ما يدفع من مبالغ باهظة في مجال الاعلام والدعايات والمؤتمرات والتي تبقى محصورة بروادها والفئة الموجهة اليها"، كما دعت المهتمين لنشر هذه الثقافة في كافة المناطق.

ويعد فريق العمل بأنه، بعد عرضه الثاني في دير قانون النهر، سيتوجه الى أكثر من منطقة لبنانية بعد تلقيه الترحيب والاهتمام من أكثر من جهة بيئية معروفة في لبنان.
وفي هذا الشق، نختم بالجملة المحورية، والتي ترددت كثيرًا في أرجاء مسرح شارعنا بأنّ "الزبالة من بيتك... فكر صح، علق واصلة لركابنا وبكرا بتغطينا كلنا فانتبه!! "
ومن هنا كانت
 رسالة أخرى، تحمل دعوة الى تقبل الفن الخارج من الضاحية والإيمان به بكل تفاصيله المعروفة جيدًا، والتشديد على أنّ الفن الملتزم والواعي قادر على المنافسة في العالم الفني العربي واللبناني والذي أصبح في بعض الاحيان متفلتًا من الرقابة ومن ضوابط مجتمعاتنا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]