مواضيع مماثلة
بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
المواضيع الأكثر نشاطاً
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط المسرح الجاد رمز تفتخر به الأنسانية على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى مجلة الفنون المسرحية على موقع حفض الصفحات
المواضيع الأكثر شعبية
مجلة الفنون المسرحية
مجلة الفنون المسرحيةتمثل القيم الجمالية والفكرية والفلسفية والثقافية والأجتماعية في المجتمع الأنسانيوتعتمد المسرج الجاد اساس لها وتقوم فكرة المسرح الجاد على أيجاد المضمون والشكل أو الرؤية؛ لكي تقدم بأفكار متقدمة من النواحي الجمالية والفلسفية والفكرية والثقافية والأجتماعية وتأكيدها في المسرحية ، وكلمة جاد مرتبطة بالجدية والحداثة التي تخاطب مختلف التيارات الفكرية والفلسفية والسياسية والعقائدية. بدأ المسرح كشكل طقسي في المجتمع البدائي ، وقام الإنسان الذي انبهر بمحيطه بترجمة الطقس إلى أسطورة ، ولتكون الصورة هي مقدمة للفكرة التي ولفت آلية الحراك العفوي ، ثم الانتقال بهذا الحراك إلى محاولة التحكم به عبر أداء طقوس دينية أو فنية كالرقص في المناسبات والأعياد, وولادة حركات تمثيلية أداها الإنسان للخروج عن مألوفه .. وأفكار التقطهاوطورها فيما بعد الإغريق وأسسوا مسرحهم التراجيدي ، ومنذ ذلك الحين والمسرح يشكل عنصرا فنيا أساسيا في المجتمع ، ويرصد جوانب مختلفة من الحياة الأنسانية ، ومع كل مرحلة نجد أن المسرح يواكب تغيراتها وفق رؤى جدية غير تقليدية ، و تبعا للشرط ( الزمكاني ) شهد هذا الفن قدرة كبيرة على التجدد من المسرح التراجيدي الكلاسيكي الى الرومانسي والى كلاسك حديث إلى الواقعي والطبيعي والرمزي والسريالي واللامعقول ومسرح الغضب ، والسياسي وفي كل مرحلة من مراحل تطور المسرح تحمل بدون شك بعدا جديا وتجريبياً تتمثل إشكاليات تلك المرحلة وتعبر عن ظروفها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية , المسرح الجاد يؤكد قدرة المسرح على أستيعاب التجارب السابقة وإعادة صياغتها ، نحو الحداثة والخروج من العلبة الإيطالية إلى الفضاء المفتوح ، وتناول عناصر العرض المسرحي التي وضعها ستانسلافسكي ( التكامل والتوازن بين الكاتب والمخرج والممثل والجمهور) بطرق جديدة وبما أن أهم سمة في المسرح الجاد هي المعاصرة نحو التحولات المعرفية والتي هدمت كثيرا من الحواجز و كانت مقدمة لولادة الأفكار المعرفية الكونية ، فأثبت المسرح الجاد وجوده ليواكب الحداثة بكل مكوناتها ، و أثبت وجوده في العالم كله ، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين ، حمل شرف ولادة مسرح اللامعقول على يد يوجين يونسكو وصموئيل بيكت وفرناندوا أرابال .. هو مسرح الكل بامتياز أوربي – عربي – أمريكي.. الكل ساهم ويساهم في تطويره ووضع خصائصه .. و يمتاز المسرح التجريبي بتجاوزه لكل ما هو مألوف وسائد ومتوارث و الإيتان التجريبي إمكانية تجاوز الخطوط الحمراء البنوية والشكلية من خلال ( جسد ، فضاء ، سينوغرافيا ، أدوات ) .. ومنها : - تفكيك النص و إلغاء سلطته ، أي إخضاع النص الأدبي للتجريب ، والتخلص من الفكرة ليقدم نفسه يحمل هم التجديد والتصدي لقضايا معاصرة ويوحد النظرة إليها عبر رؤيا متقدمة ،أو على الأقل رؤيا يمكننا من خلالها فهم ما يجري حولنا عبر صيغ جمالية وفنيةوفلسفية ، لكنها في جوهرها تمثل جزءا من مكاشفة يتصدى لها المسرح كفن أزلي باقٍ مادام الإنسان موجودا . السينوغرافيا والفضاء المسرحي ويتأتى دور التعبير الجسدي في توصيل الحالة الفنية وكأن الحركة هي اللغة التي يضاف إليها الإشارات والأيحاءات والعلامات والأدوات المتاحة لمحاكاة المتفرج .. أسئلة مطروحة أمام المسرح الجاد : تقف أمام المسرح الجاد كثير من الأسئلة ، ويحاول المسرحيون تجاوزها عبر المختبر المسرحي ، ومن هذه الأسئلة : لماذا لا تكون اطروحات العرض أكثر منطقية عبر توظيف عناصر العرض وفق توليفة متكاملة للغة والحركة والإشارة والعلامة ؟ لماذا لا يستفيد من التراث الشعبي ؟ ماذا عن الغموض ؟ - لماذا القسرية في إقصاء الخاص لصالح العام ؟ وهل يمكن أن ينجح ذلك ؟ - ماذا عن اللغة ؟ وهل هي عائق أمام انتشاره العالمي ؟ يبقى المسرح الجاد تجريب لضرورة من ضرورات الحياة بمجملها ، والمسرح يطرح أسئلة كبيرة وهذه إحدى مهامه الأساسية ، ويعكس إلى حد كبير الهواجس التي تعتري باطن الإنسان قبل ظاهره ، ورغم الأسئلة المطروحة وجديتها ، تجد المسرحية أفكارا وفلسفة للنص ،وبالتالي خلق فضاء أوسع للأداء عبر صيغ جمالية مؤثرة ذات دلالة معبرة .. كما توظف الإضاءة والحركة والموسيقى والرقص على حساب النص , المخرج هو المحور في العرض , الممثل هو أداة في تشكيل العرض الحركي . . المخرج المسرحي فاضل سوداني :النص الأدبي المغلق يعمق اغتراب نص العرض المسرحي
صفحة 1 من اصل 1
03092013
المخرج المسرحي فاضل سوداني :النص الأدبي المغلق يعمق اغتراب نص العرض المسرحي
المخرج المسرحي فاضل سوداني لـ الزمان النص الأدبي المغلق يعمق اغتراب نص العرض المسرحي
انا فنان وكاتب حالم،أفهم العالم من خلال الحلم، والحياة بالنسبة لي
بالرغم من قسوتها تعني لعبة حلمية،ولهذا فإن اللعب الفني هو طقس
مسرحي يجب أن نعرف من خلاله كيف نحلم وكيف نحتفل به مع الجمهور. بهذا التأطير يُفلسفُ فاضل سوداني طبيعة الحضور الذي
يسعى لأن يكون عليه فعلهُ ومنجزهُ الفني والانساني، بعد رحلة طويلة من الترحال والسفر بين التجارب، توزعتها خارطة ُأمكنة ٍتفصل فيما بينها ثقافات وحضارات شاء هو أن يخوض غموضها متسلحا بأحاسيس من الدهشة والتساؤل..مدينة العمارة العراقيةهي بداية ُمنعطف ٍفي
تأمل الذات والاشياء، وبداية ُسفر ٍطويل ٍفي طقوس ِالجسد ِوالصمتِ على رقعة الخشبة،فكانت بغداد وبيروت ودمشق وكوبنهاكن توغلا ً في متاهة البحث عن قيم الجمال التي يمكن لفضاء الدراما المسرحية ان
ينثرهاعلى انقاض ماض ثقيل بثرثرته المتأكلة.. والسوداني أستاذ
جامعي ومخرج وباحث أكاديمي في الفن المسرحي، يحمل شهادة دكتوراه في
الاخراج والعلوم المسرحية،عمل مخرجا وممثلا لسنوات طويلة في العديد من المسرحيات العالمية في مختلف البلدان،ساهم في إلقاء محاضرات ودراسات في مختلف المهرجانات المسرحية وأنتدب للمساهمة في الجامعات والمختبرات المسرحية،كتب الدراسات المسرحية في الصحف والمجلات العربية، صمم
الديكور للعديد من المسرحيات،وهو يدعوالمؤلف المسرحي العربي الى كتابة النص البصري في المسرح، ويعمل على تحقيق ذلك ضمن أمكانيات
مايدعوه بالبعد الرابع لفضاء العرض المسرحي، وكذلك تحقيق المسرح
البصري وتطويرعمل الممثل من خلال تدريبه عن طريق الذاكرة
البصرية المُطلقة لجسد الممثل وعلاقتها بالأشياء والفضاء المسرحي ،
وتحقيق ذلك مع طلبة المعاهد المسرحية والممثلين عموما من خلال اقامة
العديد من المختبرات work Shop لتدريب الممثل، اخرج وكتب العديد من
المسرحيات، يعيش في الدنمارك منذ العام 1992،يعمل الان استاذا جامعيا في جامعة دهوك في اقليم كوردستان. الزمان التقت به وحاورته حول رحلته وتجربته وتساؤلاته المسرحية .
ماذا يعني فان كوخ بالنسبة لك؟ هل تجده صورة للفنان أم أن مصيره وماأنتهى اليه هو الذي يعطي المعنى التراجيدي للحياة سواء بالنسبة للانسان بشكل عام؟أو للفنان بشكل خاص؟
ــ لا يمكن فصل فان كوخ أو أي فنان عن مصيره التراجيدي وهذا ما أكده بيكاسو عندما قال إن حياة فان كوخ هي تراجيديا كاملة، فان كوخ كان لا يجد أي معنى للحياة إلا من خلال الفن، لهذا عندما شعر بعبثية حياته انتحر بكل بساطة، لكن ماذا تعني العبثية بالنسبة له؟ أعتقد أنه لم يقدم أي شئ للناس، عند دراستي لحياته وفنه توصلت الى أنه كان يريد أن يحول اللون الأصفر الى نور يضئ روحه وروح الآخرين كما اعتقد،وعندما لم يستطع ذلك شعر بعبثية الحياة ، حتى أن َّ انتحاره كان عبثيا ً، إذ لا بد أن يكون الإنسان الذي ينتظر الموت مدخنا ً غليونه دون مبالاة، كما فعل هو بعد انتحاره، صاحب رؤيا ووجدٍ لم يدركهما عصره، ولم ندركهما نحن الآن أيضا، إذ هو فنان يمتلك إحساسا بعبثية الوجود وخاصة بعد ان شاهد فردوس النور ووهج النار المقدسة هذه في أحلامه فمنحته الرؤيا القدسية المنفلتة بعيدا عن الواقع. مثل هذا الفنان لن يترك هذه النعمة ليرى الواقع بعيون غيره، ولأنه رأى جحيمه على حقيقته، أصبح شاهدا ملعونا على مآسي عصره فرفضه المجتمع وعدَّهُ مجنونا، إذن فنان مثل فان كوخ 1890 ــ 1853 يمكن ان يصاب بنوبات الوجد والرؤيا، من خلالهما يمتلك سلطة السيطرة التامة على الحلم الذي يستمده من الواقع بالرغم من أنه لا ينتمي إليه، وهذا البعد هو الذي يجعله قادرا على تحويل الواقع الخشن والمظلم إلى أحلام وفن ينتمي إلى جمال خالص تحسده عليه حتى الملائكة، لذلك فانه يؤكد بأن المشاعر التي أعانيها تتجه نحو الأبدية لأنها متحولة إلى رؤى لونية وبصرية،إن هذا المفهوم لفن فان كوخ يدفعنا للتفكير بان هذه المشاعر هي نوبات الوجد الفني التصوفي التي لم يفهمها معاصروه، ومازال الكثيرمن هذا الوجد غير مفهوم حتى هذه اللحظة،وبالتأكيد فان هذا يحيلنا إلى طبيعة التناقض بين الفنان والمجتمع وبالذات إلى موضوعة العنف،ليس فقط الجسدي وإنما الفكري أيضا والذي أصبح سمة في وقتنا الحاضر، الذي يمارس دائما ضد الفنان الذي يمتلك موقفه ورؤياه الخاصة المتفردة عما يراه الآخرين،ان انتحار فنان مثل فان كوخ يرى الجمال بهذه الحساسية وهذا الوجد يعني بان هنالك خلل في الوجود والعلاقات الإنسانية، ويؤكد أيضا انطفاء النور الذي يعني الجمال نتيجة للعماء البشري، فيبدو انتحاره وكأنه انتصار على ظاهرة العنف والقسوة والجنون الجمعي لان فنان مثل فان كوخ لايستطيع العيش إلا في عالم أكثر إنسانية وأكثر جمالا واقل عنفا.ان مشكلة فان كوخ هي
1. استحالة اكتشاف الحياة الحقيقية التي يبغي، وعدم القدرة على الانتماء إلى الواقع.
2 ــ امتلاك الفنان لرؤيا فنية ذات طابع ميتافيزيقي شمولي ومحاولة انعكاسها على الحياة مما يعمق سوء الفهم بين الفنان والمجتمع، وكثافة الشعور بالحرية تدفعه إلى الإيمان بحرية الفن المطلقة التي لا تخضع للقوانين الاجتماعية.
وبالتأكيد ان 37 سنة عاشها الفنان كرحلة ضوئية غير كافية لكي يكمل لوحته الكونية التي يبغي،بالرغم انه تحمّل فيها جميع عذاباتنا كالقديسين،وكل هذا يؤكد على اهمية فان كوخ في وقتنا الحاضر الذي اتسم بالزيف وتشويه الحقيقة والانسان، وهذا هو الذي دفعني الى اللجوء لتراجيديا مثل هذا الفنان أي ان تكتشف الحقيقة والانسان يعد هذا هو جوهر الابداع الفني. لذا كتبت نص الرحلة الضوئية بعدة صيغ واخرجت هذا النص بعدة رؤى وأحداها باللغة الدنماركية بممثليين دنماركيين وجمهور دنماركي.
أولوية العقل
تجربة الاغتراب عن الوطن فترة طويلة في بلدان أجنبية أعطتك الكثير وأول شيء اعطتك اياه هي الحرية، بينما حمّلك العراق وانت في ذروة الشباب اعباء ًوضغوطات وقسوة كبيرة جدا، كيف تنظر الى بلد اسمه العراق الان؟
ــ العراق فقد براءته وتحول الى كهل ينوء بآثام الآخرين وغير قادر على التطهر منها بسهولة بسبب ضخامتها أنه الان ينوء تحت قسوة ابناءه في الداخل وتحت سياسات قاسية لدول الجوارلم يكن هو العراق الذي تركته قبل اربعين عاما ، كان أبهى وأقوى وان العراقيين كانوا ينتمون له بكل حب،الآن ينوء تحت صراعاتهم. وبالرغم من هذا فإن المثقف العراقي المتفاعل له دوره كمفكر، ان المفكرين في اوربا هم الذين انقذوها عندما قالوا بأولوية العقل بدل الخرافة وطالبوا فصل الكنيسة عن الدولة، العراق بحاجة الى إلغاء كل خزعبلات المحاصصة والعمل على فصل الدين عن الدولة، أن عدم قول الحقيقية الآن من قبل المثقف هو خيانة لدورة التاريخي. الأرضية الآن بمجمل جوانبها تحصر المثقف وتضيق عليه ليسقط في دائرة التكيف من جديد.
حيث ينشأ تكيّف المثقف ويصبح جزءا من عمليات التخريب الاجتماعي والثقافي في مرحلة البناء السلبي للتاريخ الاستثنائي فقط عندما يكون هنالك خواء فكري يميز فعاليات الانسان الحياتية والفكرية، وسكونية التطور الاجتماعي
، واعني مرحلة التطور السلبي الذي يكون فيه الانسان بشكل عام و المثقف المتفاعل بالذات غريبا عن واقعه ومجتمعه،فالتكيّف هو الموقف السلبي للمثقف المتساهل مع ذاته وتاريخ كينونته نتيجة لموقفه المتصدئ ،وبمعنى آخر إن مثل هذا المثقف المتكيّف لا يؤثر في تطوير العملية الفكرية بمسارها الديالكتيكي في مجتمعه إلا سلبا، لانه يتخلى عن دوره ووجوده الفاعل وهذا يمنحه خيانة وخوفا من السياسي الاستثنائي، الذي يتلصص على المرحلة التاريخية للانقضاض على السلطة بمساعدة الوسائل غير الشرعية،وبهذا فان المثقف هنا يتحول الى أداة في آلية السلطة الاستثنائية تاريخيا وآنيا، ويكون مستعدا للمساهمة في برامجها لتهيئة الظروف التي تخلق عدمية الثقافة والفن،اذن الدقة في تفسير دور المثقف هي حتمية تفرضها المسؤولية الذاتية والاجتماعية،فكل خطأ في تفسير دور المثقف يؤدي الى خطأ في تفسير دور الثقافة، ومن هنا يكون من الضروري تبني موقف لتغير الواقع الثقافي وتفسيره كليا،وعندما يكون هنالك التباس في موقف المثقف وعدم ضوح هدفه، يبدأ الغموض في ابداعه وكذلك التماهي بدوره التاريخي والحياتي مما يؤثر على مستقبل بلده،كان هذا ضروريا من أجل أن أصل الى الاستنتاج بأن دور المثقف له أهمية استثنائية كبيرة في بناء مستقبل الانسان،ونتيجة لهذا كله أؤكد على أن العراق فقد الكثير من بهائة الثقافي وعلى العراقي والمثقف بالذات أن يتمسكان بحريتهما، وان يعمل المثقف على استعادة دوره حتى نستطيع أن نبني العراق من خلال الواقع ـــ الحلمي وليس من خلال الخرافة.
مالذي يمكن ان تخاف منه؟ وهل يشكل العمل المسرحي تجربة لمجابهة ماتخاف منه؟
ــ كل عمل ابداعي هو مواجهة للموت والعدم والانقراض الذاتي، أن صراع الأبداع هو مع الزمن، فإذا كان الجسد قابل للتهرء فإن الإبداع الحضاري قابل للخلود، لكن ماذا نفعل به إذا كنا لا نستطيع أن نمسك أبدية الأشياء، لذا فالأفضل أن نفكر بتذوق الحياة، ما آخافة هو عدم القدرة على تذوق الحياة، لذا فأن العمل الفني هو الذي ينقذنا باعتباره قدرة على تذوق الحياة فالمهم هو ليس الخلود وإنما طريقة العيش في الحياة وتذوقها حتى وإن كان السبيل لذلك هو الموت، وهذا ماذكرته في مسرحيتي أغاني جلجامش،إذن الخوف يتشكل عندما يفقد الإنسان القدرة على التخيل ويتوقف الإبداع الفني.
متى يصبح طريق الفنان ومساره مُستَوحَشا ً ومسدودا ً؟
ــ عندما لايجد مفردته وهو يعيش في مجتمع استهلاكي مزيف و المثقف والفنان فيه يركض لاهثاً خلف الكذب والزيف، وعندما لا يرى ذلك النور الذي يمكن أن يضئ روحه وأرواح الآخرين كما رآه فان كوخ. وعادة أن طريق الفنان الذي لا يرى هو طريق مستوحش ومسدود، فالرؤيا هي نور في طريق الفنان الصعب.
هل تبحث عن باب ما في هذه الرحلة المضنية المجهولة في عوالم واكوان غريبة؟،أم انك تشعر بأنك منزلق في تيه أو مندفع الى هذا التيه بوعيك واختيارك لان فيك تمرداً، لذا تجد في هذا التيه اتساعا وفضاء لاحدود له سيغمرك بالمفاجأت التي تبحث عنها؟
ــ المغامرة الواعية في الحياة لها أهميتها للفنان كما هي ضرورة التمرد الفني من أجل فهم الوجود. يجب ان تعيش الحياة بوعي وان تخلدها في روحك المبدعة و الإبداع أفق مجهول إذا لم تقوده المغامرة ويقوده التمرد على جميع قيم الخرافة والتخلف، ويكون الشك في جميع الثوابت هو مرشدنا في الطريق الإبداعي الذي يحمل سؤال الفلسفة.
وقد عبرت عن هذا الحلم والمجهول بنص شعري هو جزء من ديواني المعد للطبع
منتظر
كنجمة في سماء نائية عن موسيقى الكواكب.
احلم..انا ربيب الأرض » والنجوم المبحرة في فضاءآت هلامية.
عشت مدني، »مدن الكبرياء »يتشرد أمام بواباتها آلهة المساء
يبحثون نهارا عن ظلال في الأفق، »وأمام قلعتها انتظرت »شارة صوفية.. غريب أنت وتبصر في ظلام اللازورد..» إذن سر بنا بعيدا
بعيدا أيها الغريب . » ولأ ني اعرف اؤلئك الذين يعيروننا النار السماوية،»سأهديهم الالم المقدس »من أي أزمنة يأتي الحلم؟
أمن عنفوان الحاضر، أم غيبوبة الماضي؟. »أم تماهى أشنات المستقبل » في بحر يتلألأ بنجوم تفتنه بسريتها؟ »من يطرق طبول الزمان ليلا؟ »ياليلي.. »ليل الشعراء »يرسمون أقدارهم بلا مبالاة »أمام بحيرة الرب »تنبت أجنحة خضراء. »قبل أن يدخلوا الغابة السرية بدماثة الحكماء »يمنحون الحوريات سر الفردوس. »النار أصل الوجود حالما تسكن البيت. »كل رؤيا نار ولا شئ أكثرتوهجا »من بريق الجمال.»النار أصل الوجود.
البحث عن الحلم
تقول في نصك المسرحي الرحلة الضوئية وعلى لسان الشخصية الرئيسية فان كوخ آه لو كان ثمة حلم أو نارأو نبع ماء. .. السؤال هنا عن ماذا تبحث من بين هذه المفردات الثلاثة ؟
ــ بالضبط ابحث عن كل هذا من خلال الإبداع، البحث عن الحلم والنار ديناميكية الحياة والنبع هو المرجع والذي تدخره في تلافيف الروح والوعي والضمير ليشكل لك الحلم الذي لا بد ان يكتمل في لحظات النضج الاخيرة، كل هذا يشكل الحياة، والعمل الفني بمجمل أهدافه هو البحث عن الحياة وكيفية تذوقها،وسر الموت وما بعده، العمل الفني وكل إبداع هو استجلاء سِرُّ الموت،وما سِرُّ الخلود إلا التمتع بالحياة وهذا ما قالته صاحبة الحان لكلكامش في إحدى دروب رحلته الكونية في البحث عن الخلود، فالحلم يغذي وعي الإنسان، والنار تغذي الروح،ونبع الماء يمنح الطاقة وديمومتها المستقبلية،أن تحلم يعني انك تكتشف سر الخلود أي الرؤيا التي ستشكل عملك الابداعي،فالحلم هو العمل والابداع الذي يؤدي الى الخلود وهذا أيضا اكتشفه كلكامش في نهاية رحلته وهو أن الخلود هو العمل في الحياة،وبالنسبة لي كفنان مفكر وباحث عن الحياة أجد أن الخلود يكمن في العمل الفني عندما تضيف سؤالا جديدا ًلمجموع الأسئلة المطروحة في الحياة،وما عدا هذا فهو تقليد مزيف.
قد أكون مخطئاً في ما أذهب اليه من تحليل ولكن دعني أقول بأنني أجدك تنظر الى العالم من خلال رؤية تقترب من شكل الكوميديا السوداء،هل يبدو في هذا شيىء من الصحة؟
ــ نعم انا اسخر من القوانين ومن الانسان المزيف ومن الكائن الذي يتخلى عن إنسانيته من أجل أنانيته ومن الإنسان الجشع الأناني الآكول لكل شئ بما فيها حقوق الاخرين، أنا اسخر من عالم السماسرة الذين يساومون على مبادئنا،اسخر من أصحاب العقول الصدئة،اسخر من أؤلئك الذين يزيّفون الحقيقة، وأؤلئك الذين ينظرون بعين واحدة،أنهم الأشنات والديناصورات والبيروقراطية والجهلة،انهم يشكلون عالما ً متوحشا ً لذا هو بحاجة الى عين وبصيرة أخرى وبحاجة الى رؤيا جديدة، بالنسبة لي أجد أن الأنسان وبالذات المثقف أو المبدع و الفنان ذاتي النزعة وليس كائناً أنانياً، وما أعنيه أن الذاتية هي التفرد الأبداعي،فبيكاسو وفان كوخ ودالي وبودلير ورامبو وحتى بعض المبدعين العرب هم ذاتيون، لانهم يمتلكون حقيقة إبداعية، وهم مخلصون لها، ولا يتاجروا بها، لأنهم من خلالها يحققون ذواتهم، وبالتأكيد فان المزيف لا يستطيع أن يحقق ذاته بإخلاص وإنما يهمه أن يشبع أنانيته.
هنالك العديد من الشعوب مازالت تعيد انتاج طقوس مضى عليها الالاف السنين وهذا يبدو أمراً طبيعيا بالنسبة لها، لانها جزء من معتقداتها وتكوينها، ولهذا الامراسبابا وظروفا عديدة، لكن عندما يتعلق الامر بفاضل سوداني، الى اي مدى يذهب بهذه الطقوس عندما يعيد انتاجها؟ والى ماذا يريد ان تصل السوداني من خلالها؟
ــ الطقس بالنسبة لي هو احتفالية بالحياة وابتهاج بتلك الرؤيا التي تخفف من قسوة الحياة وتجعل منها وسيلة للحلم، هنا علينا أن نستغل لحظات العيش كاملة بدون الترهل البشري الثرثار، أعني بدون الوجود الفائض والثرثار، يجب العيش بالوجود الخالص أو الصافي والنقي، بهذا نحقق الديناميكية الوجودية،وعكس هذا هو سكونية الحياة، فمثلا في مسرحية الرحلة الضوئية وبالذات في طقس تحويل اللون الى نور ليضئ روح فان كوخ، عمل ممثل الدور على التطهير بالنور حتى يتهيأ لهذا الطقس بمعنى أن جسد فان كوخ وجسد قرينه كانا مصبوغين بلونين مختلفين،لهما تأثيرهما التصوّفي،وهما الأزرق الشذري والأحمر،وهما يمارسان الهمس الجسدي، يضيئهما عمود ضوئي من الأعلى، ولكن عندما يغرقان في الظلمة يضاء جسديهما وكأنهما يشعان بنور خاص،وفي ذات العرض المسرحي استخدمت بعض من مفردات الطقس العاشورائي الذي له علاقة بلطم الجسد شبه العاري حتى يتحرر، بمعنى أني استخدم الطقس وهو في حالته المتحركة وليس في ثباته التراثي.
التجريب بصيرة متفردة
لاشك انك تراقب وتتابع النشاط المسرحي في العراق، وتجد ان هنالك العديد من الأعمال المسرحية التي يتم تصنيفها نقديا في باب التجريب، فهل تجد اننا في العراق قد انجزنا شيئاً في اطار التجريب، أم اننا نطلق التسميات والمصطلحات جزافا؟
ــ أي تجريب لا يمكن ان يتحول الى سلوك ثقافي عام إلا بعد أن يتحول الى ظاهرة، والظاهرة تتحول الى ممارسة سلوكية، واي ظاهرة لا يمكن ان يكون لها تأثير إلا بعد أن تؤثر في نمطية الحياة والقوانين وتغيرها،و التجريب هو ليس نجاح او وعي متميز في هذا العمل أو ذاك وإنما هو خلق منهجية تجريبية جديدة في الثقافة والحياة، وعندما تتغير الأنماط الثقافية المبدعة عندها تصبح ظاهرة فنية وثقافية،أن التجريب هو التعبير الحقيقي وغير المُزيف لجوهر الحياة والتاريخ فمادامت الثقافة تراوح في ذات المكان فالتجريب يصبح غريباً عنا، بمعنى أن التجريب هو التعبير عن زمن غير محسوس وغير ملموس وغير مكتشف، وأيضا هو بصيرة متفردة ورؤيا بصرية تعبرعن تلك الرؤى غير المرئية وهو في ذات الوقت رؤيا للتعبير عن الأصالة الوجودية التي تتحدى قوة العدم أو الخراب الوجودي متسمة برؤيا بصرية متجددة وليس مكروره . التجريب هو رؤيا غير مزيفة ومرآة صافية تعكس خفايا الروح وأسرار الوجود،فأي تجريب يبتعد عن هذه الحقائق يبقى ثرثرة غير مجدية. ولكن في المسرح العراقي هنالك جهود صادقة وجدية ومؤسسة على ثقافة رصينة كان أساتذتها أشخاص مبدعين مثل حميد محمد جواد وابراهيم جلال وجعفر السعدي وجاسم العبودي وبدري حسون فريد وسامي عبد الحميد وقاسم محمد وغيرهم أسسوا اللبنات الأولى التي يطورها الآن مخرجون مثل صلاح القصب وفاضل خليل و كاظم نصار ومهند هادي و احمد محمد عبد الأمير وغيرهم وقد شعرت ببهجة خاصة عندما شاهدت عروض شبابية لمخرجين شباب ينبؤون بمستقبل العرض المسرحي العراقي مثل الشاب محمد مؤيد وعلاء قحطان وأنس عبد الصمد وصلاح منسي وغيرهم.المشكلة في التجريب ليس فقط في المسرح العراقي وإنما العربي،عموما يكمن في الفهم الخاطئ لمفوم الجسد وتحولاته، حيث يفهم على أنه لغة خارج الروح أي مفردة خارجية تعبرعن الشكل فقط وتتخلى عن الشرارة الداخلية وجمرة الروح التي تحول الجسد الى لغة روحية وفكرية بحيث تؤثرعلى بصر وبصيرة المتفرج، أنها لغة تحمل التأويل المضاعف للأشياء في فضاء المسرح، وتبتعد عن كونها حركات سويدية مكرورة تعبر عن سذاجة هزيلة وتثيرالقرف والضحك.
هل شعرت في لحظة ما ان رحلتك الطويلة هذه في البحث عن الجمال والحقيقة ذاهبة الى العبث او اللاجدوى؟
ــ احيانا نعم….وخاصة عندما تعيش في مجتمع تتحكم به الخرافة والطائفية لدرجة يصبح الجمال المزيف هو الذي يتنفسه الانسان ويتحول الى سلوك اجتماعي عام،انظر الى موجودات جميع المؤسسات والبيوتات حيث بُدلت رائحة زهور الجوري والرازقي بزهور وأعشاب بلاستيكية في حين كانت روح الأنسان تمتلىء برائحة الرازقي البغدادي صباحا وهو ذاهب الى عملة، انظر الى الإنارة الريفية الساذجة التي تخنق ليل بغداد وروحها، وتمنح العراقي رؤية تعتمد على عشوائية الذوق والسذاجة،لماذا هذه الغشاوة التي توضع بعمد على عيون العراقيين؟؟ اقصد بان كل هذا أصبح سلوكاً اعتاد عليه الإنسان،وحتى نعرف كيف نفكريجب أن نمتلك القدرة في تمييز رائحة الطبيعة الخالصة عن الرائحة المزيفة لنشم رحيق الطبيعة وعبقها، فإستخدام الزهور المزيفة تدل على سايكولوجية بشرية مزيفة، أما الزهور الطبيعية في مؤسسة السياسي تمنحه قدرة على التفكير بدل تلك الزهور البلاستيكية، كذلك الحال مع عشوائية الألوان والإنارة في بغداد والمحافظات، أن تبني أو تجمِّل مدينة هذا يعني أن تبني تكامل إنساني، وحتى نتخلص من الذوق السيئ الذي يغزو حياتنا كالطاعون علينا أن نفكر بالفنانين لكي يعيدوا لنا إحساسنا بالجمال، ونمنح أصحاب الذوق القدرة على إعادة الإحساس بهارمونيا الجمال وهم قادرين على أن يرونا جمال العراق، جماليا يجب ان نتذوق الحياة بأي شكل من الأشكال، عندها ستكتشف مرادفاً آخر ضد اللاجدوى والعبث وهو ديناميكية الوجود، أي ان تعيش الحياة ديناميكيا، هذان الجانبان هما اللذان يشكلان جمال الرؤيا البصرية، الحياة تصبح عبثا عندما تفقد معناها وألوانها ورائحة الإبداع فيها ويفقد الإنسان جمال البصر والبصيرة،البحث عن الحقيقة والجمال هي رحلة شاقة في الحياة مادام هذان الجانبان يشكلان معنى الحياة.
انا فنان وكاتب حالم،أفهم العالم من خلال الحلم، والحياة بالنسبة لي
بالرغم من قسوتها تعني لعبة حلمية،ولهذا فإن اللعب الفني هو طقس
مسرحي يجب أن نعرف من خلاله كيف نحلم وكيف نحتفل به مع الجمهور. بهذا التأطير يُفلسفُ فاضل سوداني طبيعة الحضور الذي
يسعى لأن يكون عليه فعلهُ ومنجزهُ الفني والانساني، بعد رحلة طويلة من الترحال والسفر بين التجارب، توزعتها خارطة ُأمكنة ٍتفصل فيما بينها ثقافات وحضارات شاء هو أن يخوض غموضها متسلحا بأحاسيس من الدهشة والتساؤل..مدينة العمارة العراقيةهي بداية ُمنعطف ٍفي
تأمل الذات والاشياء، وبداية ُسفر ٍطويل ٍفي طقوس ِالجسد ِوالصمتِ على رقعة الخشبة،فكانت بغداد وبيروت ودمشق وكوبنهاكن توغلا ً في متاهة البحث عن قيم الجمال التي يمكن لفضاء الدراما المسرحية ان
ينثرهاعلى انقاض ماض ثقيل بثرثرته المتأكلة.. والسوداني أستاذ
جامعي ومخرج وباحث أكاديمي في الفن المسرحي، يحمل شهادة دكتوراه في
الاخراج والعلوم المسرحية،عمل مخرجا وممثلا لسنوات طويلة في العديد من المسرحيات العالمية في مختلف البلدان،ساهم في إلقاء محاضرات ودراسات في مختلف المهرجانات المسرحية وأنتدب للمساهمة في الجامعات والمختبرات المسرحية،كتب الدراسات المسرحية في الصحف والمجلات العربية، صمم
الديكور للعديد من المسرحيات،وهو يدعوالمؤلف المسرحي العربي الى كتابة النص البصري في المسرح، ويعمل على تحقيق ذلك ضمن أمكانيات
مايدعوه بالبعد الرابع لفضاء العرض المسرحي، وكذلك تحقيق المسرح
البصري وتطويرعمل الممثل من خلال تدريبه عن طريق الذاكرة
البصرية المُطلقة لجسد الممثل وعلاقتها بالأشياء والفضاء المسرحي ،
وتحقيق ذلك مع طلبة المعاهد المسرحية والممثلين عموما من خلال اقامة
العديد من المختبرات work Shop لتدريب الممثل، اخرج وكتب العديد من
المسرحيات، يعيش في الدنمارك منذ العام 1992،يعمل الان استاذا جامعيا في جامعة دهوك في اقليم كوردستان. الزمان التقت به وحاورته حول رحلته وتجربته وتساؤلاته المسرحية .
ماذا يعني فان كوخ بالنسبة لك؟ هل تجده صورة للفنان أم أن مصيره وماأنتهى اليه هو الذي يعطي المعنى التراجيدي للحياة سواء بالنسبة للانسان بشكل عام؟أو للفنان بشكل خاص؟
ــ لا يمكن فصل فان كوخ أو أي فنان عن مصيره التراجيدي وهذا ما أكده بيكاسو عندما قال إن حياة فان كوخ هي تراجيديا كاملة، فان كوخ كان لا يجد أي معنى للحياة إلا من خلال الفن، لهذا عندما شعر بعبثية حياته انتحر بكل بساطة، لكن ماذا تعني العبثية بالنسبة له؟ أعتقد أنه لم يقدم أي شئ للناس، عند دراستي لحياته وفنه توصلت الى أنه كان يريد أن يحول اللون الأصفر الى نور يضئ روحه وروح الآخرين كما اعتقد،وعندما لم يستطع ذلك شعر بعبثية الحياة ، حتى أن َّ انتحاره كان عبثيا ً، إذ لا بد أن يكون الإنسان الذي ينتظر الموت مدخنا ً غليونه دون مبالاة، كما فعل هو بعد انتحاره، صاحب رؤيا ووجدٍ لم يدركهما عصره، ولم ندركهما نحن الآن أيضا، إذ هو فنان يمتلك إحساسا بعبثية الوجود وخاصة بعد ان شاهد فردوس النور ووهج النار المقدسة هذه في أحلامه فمنحته الرؤيا القدسية المنفلتة بعيدا عن الواقع. مثل هذا الفنان لن يترك هذه النعمة ليرى الواقع بعيون غيره، ولأنه رأى جحيمه على حقيقته، أصبح شاهدا ملعونا على مآسي عصره فرفضه المجتمع وعدَّهُ مجنونا، إذن فنان مثل فان كوخ 1890 ــ 1853 يمكن ان يصاب بنوبات الوجد والرؤيا، من خلالهما يمتلك سلطة السيطرة التامة على الحلم الذي يستمده من الواقع بالرغم من أنه لا ينتمي إليه، وهذا البعد هو الذي يجعله قادرا على تحويل الواقع الخشن والمظلم إلى أحلام وفن ينتمي إلى جمال خالص تحسده عليه حتى الملائكة، لذلك فانه يؤكد بأن المشاعر التي أعانيها تتجه نحو الأبدية لأنها متحولة إلى رؤى لونية وبصرية،إن هذا المفهوم لفن فان كوخ يدفعنا للتفكير بان هذه المشاعر هي نوبات الوجد الفني التصوفي التي لم يفهمها معاصروه، ومازال الكثيرمن هذا الوجد غير مفهوم حتى هذه اللحظة،وبالتأكيد فان هذا يحيلنا إلى طبيعة التناقض بين الفنان والمجتمع وبالذات إلى موضوعة العنف،ليس فقط الجسدي وإنما الفكري أيضا والذي أصبح سمة في وقتنا الحاضر، الذي يمارس دائما ضد الفنان الذي يمتلك موقفه ورؤياه الخاصة المتفردة عما يراه الآخرين،ان انتحار فنان مثل فان كوخ يرى الجمال بهذه الحساسية وهذا الوجد يعني بان هنالك خلل في الوجود والعلاقات الإنسانية، ويؤكد أيضا انطفاء النور الذي يعني الجمال نتيجة للعماء البشري، فيبدو انتحاره وكأنه انتصار على ظاهرة العنف والقسوة والجنون الجمعي لان فنان مثل فان كوخ لايستطيع العيش إلا في عالم أكثر إنسانية وأكثر جمالا واقل عنفا.ان مشكلة فان كوخ هي
1. استحالة اكتشاف الحياة الحقيقية التي يبغي، وعدم القدرة على الانتماء إلى الواقع.
2 ــ امتلاك الفنان لرؤيا فنية ذات طابع ميتافيزيقي شمولي ومحاولة انعكاسها على الحياة مما يعمق سوء الفهم بين الفنان والمجتمع، وكثافة الشعور بالحرية تدفعه إلى الإيمان بحرية الفن المطلقة التي لا تخضع للقوانين الاجتماعية.
وبالتأكيد ان 37 سنة عاشها الفنان كرحلة ضوئية غير كافية لكي يكمل لوحته الكونية التي يبغي،بالرغم انه تحمّل فيها جميع عذاباتنا كالقديسين،وكل هذا يؤكد على اهمية فان كوخ في وقتنا الحاضر الذي اتسم بالزيف وتشويه الحقيقة والانسان، وهذا هو الذي دفعني الى اللجوء لتراجيديا مثل هذا الفنان أي ان تكتشف الحقيقة والانسان يعد هذا هو جوهر الابداع الفني. لذا كتبت نص الرحلة الضوئية بعدة صيغ واخرجت هذا النص بعدة رؤى وأحداها باللغة الدنماركية بممثليين دنماركيين وجمهور دنماركي.
أولوية العقل
تجربة الاغتراب عن الوطن فترة طويلة في بلدان أجنبية أعطتك الكثير وأول شيء اعطتك اياه هي الحرية، بينما حمّلك العراق وانت في ذروة الشباب اعباء ًوضغوطات وقسوة كبيرة جدا، كيف تنظر الى بلد اسمه العراق الان؟
ــ العراق فقد براءته وتحول الى كهل ينوء بآثام الآخرين وغير قادر على التطهر منها بسهولة بسبب ضخامتها أنه الان ينوء تحت قسوة ابناءه في الداخل وتحت سياسات قاسية لدول الجوارلم يكن هو العراق الذي تركته قبل اربعين عاما ، كان أبهى وأقوى وان العراقيين كانوا ينتمون له بكل حب،الآن ينوء تحت صراعاتهم. وبالرغم من هذا فإن المثقف العراقي المتفاعل له دوره كمفكر، ان المفكرين في اوربا هم الذين انقذوها عندما قالوا بأولوية العقل بدل الخرافة وطالبوا فصل الكنيسة عن الدولة، العراق بحاجة الى إلغاء كل خزعبلات المحاصصة والعمل على فصل الدين عن الدولة، أن عدم قول الحقيقية الآن من قبل المثقف هو خيانة لدورة التاريخي. الأرضية الآن بمجمل جوانبها تحصر المثقف وتضيق عليه ليسقط في دائرة التكيف من جديد.
حيث ينشأ تكيّف المثقف ويصبح جزءا من عمليات التخريب الاجتماعي والثقافي في مرحلة البناء السلبي للتاريخ الاستثنائي فقط عندما يكون هنالك خواء فكري يميز فعاليات الانسان الحياتية والفكرية، وسكونية التطور الاجتماعي
، واعني مرحلة التطور السلبي الذي يكون فيه الانسان بشكل عام و المثقف المتفاعل بالذات غريبا عن واقعه ومجتمعه،فالتكيّف هو الموقف السلبي للمثقف المتساهل مع ذاته وتاريخ كينونته نتيجة لموقفه المتصدئ ،وبمعنى آخر إن مثل هذا المثقف المتكيّف لا يؤثر في تطوير العملية الفكرية بمسارها الديالكتيكي في مجتمعه إلا سلبا، لانه يتخلى عن دوره ووجوده الفاعل وهذا يمنحه خيانة وخوفا من السياسي الاستثنائي، الذي يتلصص على المرحلة التاريخية للانقضاض على السلطة بمساعدة الوسائل غير الشرعية،وبهذا فان المثقف هنا يتحول الى أداة في آلية السلطة الاستثنائية تاريخيا وآنيا، ويكون مستعدا للمساهمة في برامجها لتهيئة الظروف التي تخلق عدمية الثقافة والفن،اذن الدقة في تفسير دور المثقف هي حتمية تفرضها المسؤولية الذاتية والاجتماعية،فكل خطأ في تفسير دور المثقف يؤدي الى خطأ في تفسير دور الثقافة، ومن هنا يكون من الضروري تبني موقف لتغير الواقع الثقافي وتفسيره كليا،وعندما يكون هنالك التباس في موقف المثقف وعدم ضوح هدفه، يبدأ الغموض في ابداعه وكذلك التماهي بدوره التاريخي والحياتي مما يؤثر على مستقبل بلده،كان هذا ضروريا من أجل أن أصل الى الاستنتاج بأن دور المثقف له أهمية استثنائية كبيرة في بناء مستقبل الانسان،ونتيجة لهذا كله أؤكد على أن العراق فقد الكثير من بهائة الثقافي وعلى العراقي والمثقف بالذات أن يتمسكان بحريتهما، وان يعمل المثقف على استعادة دوره حتى نستطيع أن نبني العراق من خلال الواقع ـــ الحلمي وليس من خلال الخرافة.
مالذي يمكن ان تخاف منه؟ وهل يشكل العمل المسرحي تجربة لمجابهة ماتخاف منه؟
ــ كل عمل ابداعي هو مواجهة للموت والعدم والانقراض الذاتي، أن صراع الأبداع هو مع الزمن، فإذا كان الجسد قابل للتهرء فإن الإبداع الحضاري قابل للخلود، لكن ماذا نفعل به إذا كنا لا نستطيع أن نمسك أبدية الأشياء، لذا فالأفضل أن نفكر بتذوق الحياة، ما آخافة هو عدم القدرة على تذوق الحياة، لذا فأن العمل الفني هو الذي ينقذنا باعتباره قدرة على تذوق الحياة فالمهم هو ليس الخلود وإنما طريقة العيش في الحياة وتذوقها حتى وإن كان السبيل لذلك هو الموت، وهذا ماذكرته في مسرحيتي أغاني جلجامش،إذن الخوف يتشكل عندما يفقد الإنسان القدرة على التخيل ويتوقف الإبداع الفني.
متى يصبح طريق الفنان ومساره مُستَوحَشا ً ومسدودا ً؟
ــ عندما لايجد مفردته وهو يعيش في مجتمع استهلاكي مزيف و المثقف والفنان فيه يركض لاهثاً خلف الكذب والزيف، وعندما لا يرى ذلك النور الذي يمكن أن يضئ روحه وأرواح الآخرين كما رآه فان كوخ. وعادة أن طريق الفنان الذي لا يرى هو طريق مستوحش ومسدود، فالرؤيا هي نور في طريق الفنان الصعب.
هل تبحث عن باب ما في هذه الرحلة المضنية المجهولة في عوالم واكوان غريبة؟،أم انك تشعر بأنك منزلق في تيه أو مندفع الى هذا التيه بوعيك واختيارك لان فيك تمرداً، لذا تجد في هذا التيه اتساعا وفضاء لاحدود له سيغمرك بالمفاجأت التي تبحث عنها؟
ــ المغامرة الواعية في الحياة لها أهميتها للفنان كما هي ضرورة التمرد الفني من أجل فهم الوجود. يجب ان تعيش الحياة بوعي وان تخلدها في روحك المبدعة و الإبداع أفق مجهول إذا لم تقوده المغامرة ويقوده التمرد على جميع قيم الخرافة والتخلف، ويكون الشك في جميع الثوابت هو مرشدنا في الطريق الإبداعي الذي يحمل سؤال الفلسفة.
وقد عبرت عن هذا الحلم والمجهول بنص شعري هو جزء من ديواني المعد للطبع
منتظر
كنجمة في سماء نائية عن موسيقى الكواكب.
احلم..انا ربيب الأرض » والنجوم المبحرة في فضاءآت هلامية.
عشت مدني، »مدن الكبرياء »يتشرد أمام بواباتها آلهة المساء
يبحثون نهارا عن ظلال في الأفق، »وأمام قلعتها انتظرت »شارة صوفية.. غريب أنت وتبصر في ظلام اللازورد..» إذن سر بنا بعيدا
بعيدا أيها الغريب . » ولأ ني اعرف اؤلئك الذين يعيروننا النار السماوية،»سأهديهم الالم المقدس »من أي أزمنة يأتي الحلم؟
أمن عنفوان الحاضر، أم غيبوبة الماضي؟. »أم تماهى أشنات المستقبل » في بحر يتلألأ بنجوم تفتنه بسريتها؟ »من يطرق طبول الزمان ليلا؟ »ياليلي.. »ليل الشعراء »يرسمون أقدارهم بلا مبالاة »أمام بحيرة الرب »تنبت أجنحة خضراء. »قبل أن يدخلوا الغابة السرية بدماثة الحكماء »يمنحون الحوريات سر الفردوس. »النار أصل الوجود حالما تسكن البيت. »كل رؤيا نار ولا شئ أكثرتوهجا »من بريق الجمال.»النار أصل الوجود.
البحث عن الحلم
تقول في نصك المسرحي الرحلة الضوئية وعلى لسان الشخصية الرئيسية فان كوخ آه لو كان ثمة حلم أو نارأو نبع ماء. .. السؤال هنا عن ماذا تبحث من بين هذه المفردات الثلاثة ؟
ــ بالضبط ابحث عن كل هذا من خلال الإبداع، البحث عن الحلم والنار ديناميكية الحياة والنبع هو المرجع والذي تدخره في تلافيف الروح والوعي والضمير ليشكل لك الحلم الذي لا بد ان يكتمل في لحظات النضج الاخيرة، كل هذا يشكل الحياة، والعمل الفني بمجمل أهدافه هو البحث عن الحياة وكيفية تذوقها،وسر الموت وما بعده، العمل الفني وكل إبداع هو استجلاء سِرُّ الموت،وما سِرُّ الخلود إلا التمتع بالحياة وهذا ما قالته صاحبة الحان لكلكامش في إحدى دروب رحلته الكونية في البحث عن الخلود، فالحلم يغذي وعي الإنسان، والنار تغذي الروح،ونبع الماء يمنح الطاقة وديمومتها المستقبلية،أن تحلم يعني انك تكتشف سر الخلود أي الرؤيا التي ستشكل عملك الابداعي،فالحلم هو العمل والابداع الذي يؤدي الى الخلود وهذا أيضا اكتشفه كلكامش في نهاية رحلته وهو أن الخلود هو العمل في الحياة،وبالنسبة لي كفنان مفكر وباحث عن الحياة أجد أن الخلود يكمن في العمل الفني عندما تضيف سؤالا جديدا ًلمجموع الأسئلة المطروحة في الحياة،وما عدا هذا فهو تقليد مزيف.
قد أكون مخطئاً في ما أذهب اليه من تحليل ولكن دعني أقول بأنني أجدك تنظر الى العالم من خلال رؤية تقترب من شكل الكوميديا السوداء،هل يبدو في هذا شيىء من الصحة؟
ــ نعم انا اسخر من القوانين ومن الانسان المزيف ومن الكائن الذي يتخلى عن إنسانيته من أجل أنانيته ومن الإنسان الجشع الأناني الآكول لكل شئ بما فيها حقوق الاخرين، أنا اسخر من عالم السماسرة الذين يساومون على مبادئنا،اسخر من أصحاب العقول الصدئة،اسخر من أؤلئك الذين يزيّفون الحقيقة، وأؤلئك الذين ينظرون بعين واحدة،أنهم الأشنات والديناصورات والبيروقراطية والجهلة،انهم يشكلون عالما ً متوحشا ً لذا هو بحاجة الى عين وبصيرة أخرى وبحاجة الى رؤيا جديدة، بالنسبة لي أجد أن الأنسان وبالذات المثقف أو المبدع و الفنان ذاتي النزعة وليس كائناً أنانياً، وما أعنيه أن الذاتية هي التفرد الأبداعي،فبيكاسو وفان كوخ ودالي وبودلير ورامبو وحتى بعض المبدعين العرب هم ذاتيون، لانهم يمتلكون حقيقة إبداعية، وهم مخلصون لها، ولا يتاجروا بها، لأنهم من خلالها يحققون ذواتهم، وبالتأكيد فان المزيف لا يستطيع أن يحقق ذاته بإخلاص وإنما يهمه أن يشبع أنانيته.
هنالك العديد من الشعوب مازالت تعيد انتاج طقوس مضى عليها الالاف السنين وهذا يبدو أمراً طبيعيا بالنسبة لها، لانها جزء من معتقداتها وتكوينها، ولهذا الامراسبابا وظروفا عديدة، لكن عندما يتعلق الامر بفاضل سوداني، الى اي مدى يذهب بهذه الطقوس عندما يعيد انتاجها؟ والى ماذا يريد ان تصل السوداني من خلالها؟
ــ الطقس بالنسبة لي هو احتفالية بالحياة وابتهاج بتلك الرؤيا التي تخفف من قسوة الحياة وتجعل منها وسيلة للحلم، هنا علينا أن نستغل لحظات العيش كاملة بدون الترهل البشري الثرثار، أعني بدون الوجود الفائض والثرثار، يجب العيش بالوجود الخالص أو الصافي والنقي، بهذا نحقق الديناميكية الوجودية،وعكس هذا هو سكونية الحياة، فمثلا في مسرحية الرحلة الضوئية وبالذات في طقس تحويل اللون الى نور ليضئ روح فان كوخ، عمل ممثل الدور على التطهير بالنور حتى يتهيأ لهذا الطقس بمعنى أن جسد فان كوخ وجسد قرينه كانا مصبوغين بلونين مختلفين،لهما تأثيرهما التصوّفي،وهما الأزرق الشذري والأحمر،وهما يمارسان الهمس الجسدي، يضيئهما عمود ضوئي من الأعلى، ولكن عندما يغرقان في الظلمة يضاء جسديهما وكأنهما يشعان بنور خاص،وفي ذات العرض المسرحي استخدمت بعض من مفردات الطقس العاشورائي الذي له علاقة بلطم الجسد شبه العاري حتى يتحرر، بمعنى أني استخدم الطقس وهو في حالته المتحركة وليس في ثباته التراثي.
التجريب بصيرة متفردة
لاشك انك تراقب وتتابع النشاط المسرحي في العراق، وتجد ان هنالك العديد من الأعمال المسرحية التي يتم تصنيفها نقديا في باب التجريب، فهل تجد اننا في العراق قد انجزنا شيئاً في اطار التجريب، أم اننا نطلق التسميات والمصطلحات جزافا؟
ــ أي تجريب لا يمكن ان يتحول الى سلوك ثقافي عام إلا بعد أن يتحول الى ظاهرة، والظاهرة تتحول الى ممارسة سلوكية، واي ظاهرة لا يمكن ان يكون لها تأثير إلا بعد أن تؤثر في نمطية الحياة والقوانين وتغيرها،و التجريب هو ليس نجاح او وعي متميز في هذا العمل أو ذاك وإنما هو خلق منهجية تجريبية جديدة في الثقافة والحياة، وعندما تتغير الأنماط الثقافية المبدعة عندها تصبح ظاهرة فنية وثقافية،أن التجريب هو التعبير الحقيقي وغير المُزيف لجوهر الحياة والتاريخ فمادامت الثقافة تراوح في ذات المكان فالتجريب يصبح غريباً عنا، بمعنى أن التجريب هو التعبير عن زمن غير محسوس وغير ملموس وغير مكتشف، وأيضا هو بصيرة متفردة ورؤيا بصرية تعبرعن تلك الرؤى غير المرئية وهو في ذات الوقت رؤيا للتعبير عن الأصالة الوجودية التي تتحدى قوة العدم أو الخراب الوجودي متسمة برؤيا بصرية متجددة وليس مكروره . التجريب هو رؤيا غير مزيفة ومرآة صافية تعكس خفايا الروح وأسرار الوجود،فأي تجريب يبتعد عن هذه الحقائق يبقى ثرثرة غير مجدية. ولكن في المسرح العراقي هنالك جهود صادقة وجدية ومؤسسة على ثقافة رصينة كان أساتذتها أشخاص مبدعين مثل حميد محمد جواد وابراهيم جلال وجعفر السعدي وجاسم العبودي وبدري حسون فريد وسامي عبد الحميد وقاسم محمد وغيرهم أسسوا اللبنات الأولى التي يطورها الآن مخرجون مثل صلاح القصب وفاضل خليل و كاظم نصار ومهند هادي و احمد محمد عبد الأمير وغيرهم وقد شعرت ببهجة خاصة عندما شاهدت عروض شبابية لمخرجين شباب ينبؤون بمستقبل العرض المسرحي العراقي مثل الشاب محمد مؤيد وعلاء قحطان وأنس عبد الصمد وصلاح منسي وغيرهم.المشكلة في التجريب ليس فقط في المسرح العراقي وإنما العربي،عموما يكمن في الفهم الخاطئ لمفوم الجسد وتحولاته، حيث يفهم على أنه لغة خارج الروح أي مفردة خارجية تعبرعن الشكل فقط وتتخلى عن الشرارة الداخلية وجمرة الروح التي تحول الجسد الى لغة روحية وفكرية بحيث تؤثرعلى بصر وبصيرة المتفرج، أنها لغة تحمل التأويل المضاعف للأشياء في فضاء المسرح، وتبتعد عن كونها حركات سويدية مكرورة تعبر عن سذاجة هزيلة وتثيرالقرف والضحك.
هل شعرت في لحظة ما ان رحلتك الطويلة هذه في البحث عن الجمال والحقيقة ذاهبة الى العبث او اللاجدوى؟
ــ احيانا نعم….وخاصة عندما تعيش في مجتمع تتحكم به الخرافة والطائفية لدرجة يصبح الجمال المزيف هو الذي يتنفسه الانسان ويتحول الى سلوك اجتماعي عام،انظر الى موجودات جميع المؤسسات والبيوتات حيث بُدلت رائحة زهور الجوري والرازقي بزهور وأعشاب بلاستيكية في حين كانت روح الأنسان تمتلىء برائحة الرازقي البغدادي صباحا وهو ذاهب الى عملة، انظر الى الإنارة الريفية الساذجة التي تخنق ليل بغداد وروحها، وتمنح العراقي رؤية تعتمد على عشوائية الذوق والسذاجة،لماذا هذه الغشاوة التي توضع بعمد على عيون العراقيين؟؟ اقصد بان كل هذا أصبح سلوكاً اعتاد عليه الإنسان،وحتى نعرف كيف نفكريجب أن نمتلك القدرة في تمييز رائحة الطبيعة الخالصة عن الرائحة المزيفة لنشم رحيق الطبيعة وعبقها، فإستخدام الزهور المزيفة تدل على سايكولوجية بشرية مزيفة، أما الزهور الطبيعية في مؤسسة السياسي تمنحه قدرة على التفكير بدل تلك الزهور البلاستيكية، كذلك الحال مع عشوائية الألوان والإنارة في بغداد والمحافظات، أن تبني أو تجمِّل مدينة هذا يعني أن تبني تكامل إنساني، وحتى نتخلص من الذوق السيئ الذي يغزو حياتنا كالطاعون علينا أن نفكر بالفنانين لكي يعيدوا لنا إحساسنا بالجمال، ونمنح أصحاب الذوق القدرة على إعادة الإحساس بهارمونيا الجمال وهم قادرين على أن يرونا جمال العراق، جماليا يجب ان نتذوق الحياة بأي شكل من الأشكال، عندها ستكتشف مرادفاً آخر ضد اللاجدوى والعبث وهو ديناميكية الوجود، أي ان تعيش الحياة ديناميكيا، هذان الجانبان هما اللذان يشكلان جمال الرؤيا البصرية، الحياة تصبح عبثا عندما تفقد معناها وألوانها ورائحة الإبداع فيها ويفقد الإنسان جمال البصر والبصيرة،البحث عن الحقيقة والجمال هي رحلة شاقة في الحياة مادام هذان الجانبان يشكلان معنى الحياة.
مروان ياسين الدليمي
الزمان
المخرج المسرحي فاضل سوداني :النص الأدبي المغلق يعمق اغتراب نص العرض المسرحي :: تعاليق
لا يوجد حالياً أي تعليق
مواضيع مماثلة
» المخرج المسرحي فاضل سوداني :النص الأدبي المغلق يعمق اغتراب العرض المسرحي
» كتاب «مقاربات جمالية».. بين نظريات الفلسفة وملامح العرض المسرحي .. مهارة المخرج وثقافته العالية تجعلان الصورة المسرحية عميقة التأثير
» المسرح البصري يجعلنا نحلم ونحن في اليقظة / د. فاضل سوداني
» كتاب «مقاربات جمالية».. بين نظريات الفلسفة وملامح العرض المسرحي .. مهارة المخرج وثقافته العالية تجعلان الصورة المسرحية عميقة التأثير
» المسرح البصري يجعلنا نحلم ونحن في اليقظة / د. فاضل سوداني
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 5:31 pm من طرف سها ياسر
» ذاتية المؤدي والتعبير في الأداء المسرحي تأليف جيمس هاملتون ترجمة أحمد عبد الفتاح
الخميس 21 نوفمبر 2024, 9:09 pm من طرف الفنان محسن النصار
» في الدورة الـ25 من أيام قرطاج المسرحية حضور فاعل لمسرحية (وين رايحين) لحيدر منعثر
الخميس 21 نوفمبر 2024, 8:30 pm من طرف الفنان محسن النصار
» أنثروبولوجيا المسرح / محسن النصار
الأربعاء 20 نوفمبر 2024, 9:59 pm من طرف الفنان محسن النصار
» أنثروبولوجيا المسرح / محسن النصار
الأربعاء 20 نوفمبر 2024, 9:59 pm من طرف الفنان محسن النصار
» نجاة نجم فعلها ومسرح الشارع سيد الموقف
الأربعاء 20 نوفمبر 2024, 6:01 pm من طرف الفنان محسن النصار
» أفضل شركة تصميم تطبيقات في مصر – تك سوفت للحلول الذكية – Tec Soft for SMART solutions
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024, 11:36 am من طرف سها ياسر
» ضمن (مشروع صدى الأرض) وبدعوة من الشبكة الآسيوية للمسرح AMA ورشة oxygen مسرح المستحيل (بيت ابو عبد لله) للمبدع أنس عبد الصمد تحظى بنجاح كبير
الأربعاء 13 نوفمبر 2024, 11:05 pm من طرف الفنان محسن النصار
» الإعلان عن الفائزين في مسابقة الدوبلاج لمهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي والتي حملت الدورة اسم المسرحي الكبير عصام السيد
الأربعاء 13 نوفمبر 2024, 11:01 pm من طرف الفنان محسن النصار