إذا كانت الدموع التي مبعثها بعض المواقف الدرامية هنا وهناك مدعاة للتطهير في التراجيديات العالمية، فإن الدموع التي يسببها الضحك الشديد هي أيضاً نوع من أنواع التطهير الذي رفضه بريشت ودعاة تثوير المسرح وجعله وسيلة من وسائل التغيير في المجتمعات. 

خصوصاً إذا كان ذلك الضحك يصير هدفاً لا يعلى عليه لمجموعة المؤلف المسرحي والمخرج ومجموعة الممثلين، ويوضع كل ما في المسرح من سينوغرافيا وأزياء وديكور، وأضاءة وموسيقى في خدمة ضحك الجمهور .   والمسرح المغربي قدم للجمهور العديد من المسرحيات الأجتماعية، التي شهدها جمهور واسع من محبي المسرحيات الكوميدية الهادفة، التي تناولت حياة الناس، وما يتفاعل في المجتمع من أرهاصات وما يفد إليه بسبب العولمة، مما يؤثر في العالم حالياً، كقضايا حقوق الإنسان، والحريات والفقر، والعدل في المجتمعات.

 آش داني

وقد تعالت ضحكات الجمهور في مسرح محمد الخامس وسط مدينة الرباط خلال ليال عديدة من موسم ” مسرح الكوميديا ” الذي أستمر لأكثر من أسبوع.

ومن المسرحيات التي عرضت خلاله مسرحية ” آش داني ” ــ ما الذي جعلني أذهب إلى هناك ــ قدمتها فرقة مسرح أرلوكان وهي من تأليف وإخراج عمر الجدلي، وتمثيل جواد العلمي، عبد اللطيف الخمولي، وعبد الرحيم المنياري.

والمسرحية كوميديا أجتماعية تحكي رغبات الإنسان وأمانيه بالسلطة التي تأتي إليه على حين غرة، فتفضح مكنوناته الداخلية، فيتعرى أمام نفسه تماماً، فيجد أنه ليس ذلك الذي كان قبل أن يصل إلى هدفه، وأنه شخص آخر لا يفكر إلى بذاته، ورغباته، وما ينوي تحقيقه على حساب رغبات الغير.

وإذا كانت مسرحية ” آش داني ” تخاطب ذات الإنسان فإن مسرحية ” العساس ” وهي من تقديم فرقة مسرح إيسيل ومن تأليف عصام اليوسفي، وإخراج عبد العاطي لمباركي وسينوغرافيا رشيد الخطابي، وتمثيل، سعيد آيت باجا، عبد النبي البنيوي، وزهير بنجدي.

وقد طمحت المسرحية إلى تقديم كوميديا أجتماعية، مبنية على حكايات مركبة يحكيها ” العساس ” ـــ الحارس ــ الذي يقدم للجمهورمما يعيشه أثناء عمله كحارس الكثير من أنماط الشخصيات الضاحكة التي يصادفها في يوم عمله.

والعساس تناولت المواقف الطريفة التي يقع فيها العساس أو ما يقع فيها الناس من حوله، وبالرغم من أقترابها من عالم الطبقات المسحوقة والفقيرة إلا أنها بدت وكأنها تنقد الكثير من تصرفاتهم وطرائق عيشهم.

وحرص كاتبها ومخرجها على أن تبدو المسرحية، كمجموعة من المشاهد الكوميدية المستقلة، التي تربطها الشخصية الرئيسية، وأتاحت للعديد من الطرف والنكات والتعليقات الساخرة أن تتغلغل بين المشاهد على ألسنة أبطالها، ولكن كما أسلفنا بقي كل مشهد قائم بذاته.

الربا الحرام

ونقلت مسرحية ” بوكتف ” الجمهور المحب للكوميديا الى ” الأنتهازيين ” الذين تجدهم في كل عصر وعهد يلونون الحياة بألوان طمعهم وكذبهم وغشهم، والمسرحية من تقديم فرقة ” طقوس 4 “وتأليف وإخراج، نور الدين زيوال، وسينوغرافيا يوسف العرقوبي، وتمثيل، عبد الله ديدان، بنعيسى الجيراري، عبد الكبير الشداتي، محمد الحوضي، عبد القادر بوزيد، نورالدين سعدان، مصطفى مزوار، أمين ناسور، ونور الدين زيوال.

وتضع المسرحية شخصية ” المدني ” وهو من فئة المستغلين الذين ظهروا بعد أستقلال المغرب في الخمسينات، وأستفادوا من ظروف الأقتصاد الحر، ليحقق ثروة واسعة، وهو لا يترك فرصة ليستغل فيها ثروته وعلاقاته للأيقاع بضحاياه من المواطنين، ومن بين ضحاياه يقع ” بوكتف ” ضحية جديدة في شبكته الجهنمية.

فيقترض منه ” أبوكتف ” مالاً يضاعفه، مبدأ الربا الفاحش ” الفائدة فوق المبلغ الأصلي ” ويعجز ” أبوكتف” عن تسديد قرضه الذي تضاعف بفعل الربا الحرام، مما وضعه أمام أمرين أحلاهما مر، فإما أن يزوج المدني أبنته الشابة حورية أو يعمل مع أبنته كخادمين في قصر المدني حتى يوفي بدينه .




ولكن يهب أحد المدافعين عن حقوق الفقراء والمستغلين، الذي يدعى ” جحا ” فيستنهض همم الناس ونخوتهم، ويجمع التبرعات منهم، وخصوصاً من التجار الشرفاء، الذين يكرهون ” المدني ” ويعيبون عليه أساليبه الأستغلالية، ورباه الذي حرمه الله تعالى في محكم كتابه العزيز.




 وما أن يجمع المال اللازم حتى يدفعه ل ” أبو كتف ” ليفك دينه، وبالرغم من الثيمة الشكسبيرية في النص المسرحي، والجو الدرامي الذي تضعنا فيه المسرحية، إلا ان ما يحيط بالأبطال من مواقف طريفة وتعليقات ساخرة تنقلنا إلى جو الكوميديا، الذي لم تغادره المسرحية بالرغم من جو مأساة الفقر والتهديد بالعبودية الذي حمله مضمونها.


كوميديا الطفل


وهناك مسرحيات ك” ميعادنا العشا” من تأليف عبد الكبير شداتي وإخراج هشام الجباري، ومسرحية ” فدان عبد الرحمن ” وهي من تأليف محمد أمين بنيوب وإخراج أمين ناسور و” دارت بنا الدورة ” من تأليف من اعداد محمد بنسعود وتأليف وإخراج حسن هموش. تناولت المسرحيات الثلاث الكوميديا الأجتماعية، من خلال معاناة الحياة التي يواجهها الشباب في بدايات حياتهم العملية.

فالأولى تحكي عن دعوة لرئيس العمل إلى عشاء لتحسين ظروف الزوج، الذي يعمل تحت أمرته، والثانية تحكي عن أحلام الشباب خلال فترتهم الجامعية.

ووعود أولئك الطلاب لخطيباتهم من زميلاتهم في الجامعة، ولكن حالما يتخرجون ويصيرون في قلب الحركة اليومية للمجتمع تتغير مبادئهم

ويتحولون إلى أنتهازيين يبحثون عن أسهل الطرق وأسرعها في طلب الثروة والنجاح، حتى لو أضطرهم هذا السعي إلى سحق أقرب الناس إليهم وخيانتهم لزوجاتهم ” الحبيبات السابقات في الجامعة”.
ومن مسرح كوميديا الطفل عرضت مسرحية ” سناء والدجاجة ” من تأليف عبد اللطيف شوطا وإخراج محمد مروازي وتمثيل سناء عكرود وسعيد باجا ودمية تمثل دجاجة.

والمسرحية تحكي حصول سناء الصغيرة على دجاجة جميلة، لكن رجلاً يبدو عليه الجنون يريد ان يأخذ الدجاجة من سناء، فيبذل الرجل المزيد من المحاولات للفوز بالدجاجة، ولكن سناء تحبطها، وسط ضحكات الجمهور من محاولات الرجل الفاشلة.




فيصل عبد الحسن 


الزمان